الوصايا العشر لعصام شرف

د. عصام شرف




بقلم: عصام عباس

قد يصعب توجيه النصح للسيد رئيس الوزراء عصام شرف، ليس لكوني فردًا من عامة الشعب ولا لأني لا تربطني به صلة وثيقة، ولا لأني لا أملك الخبرة والتجارب مثلما يملك، ولكن تكمن الصعوبة في كون رأس رئيس الوزراء تمتلئ حاليًا بما فيه الكفاية من النصائح والأفكار والخطط والترتيبات، ولكن رغم ذلك سأرسل له بعض النصائح لعلها تصل في وقت يكون بحاجة إليها.



- الوصية الأولى: لا تضع نفسك في حيز رد الفعل، ولكن كن دائمًا أنت الفاعل واجعل الآخرين يبحثون عن ردود أفعال لما تفعل. خاصة مع كثرة وشراسة المتربصين بك، فبدلاً من أن يفاجئك أعداء الثورة بخروج البلطجية إلى الشوارع للعربدة والإفساد، أو إشعال حريق في مركز شرطة، أو كنيسة، أو مسجد، ازرع أنت بينهم من يأتيك بخبرهم، والتقط كل يوم بعضًا من رؤوسهم ما تنكسر به شوكتهم واستضيفهم في الحبس الاحتياطي حتى حين (بالقانون).



- الوصية الثانية: ليس لديك من الوقت ما يكفي لفعل كل شيء رغم أن جميع ما لديك عاجل جدًّا وضروري فعله، وأعداؤك لديهم كل الوقت لفعل شيء واحد فقط هو إلحاق الفشل بك، فلا تستهلك كل الوقت لصد هجماتهم ولكن انجز أعمالك طبقًا لجدولك اليومي والأسبوعي، واجعل غيرك يشغلهم كل يوم بقضية جديدة تلهيهم عن مهمتهم الأساسية، فلا يفيقوا من قضية إلا ويجدوا أخرى بانتظارهم، وهكذا تتقدم أنت بمصر للأمام، وهم محلك سر يعالجون القضايا التي شغلتهم بها، وإلا انقلب الوضع وألقوا عليك كل يوم مشكلة أصعب من سابقتها فتكرس لها جهدك ووقتك لعلاجها وما إن تنتهي منها إلا وتجدهم عاجلوك بغيرها إلى أن يتحقق هدفهم وتعجز فلا تجد وقتًا لتنجز فيه أي من برامجك الإصلاحية، فمن يشغل من؟



- الوصية الثالثة: مشروع أو مشروعان في العشوائيات (سكني- تعليمي- طبي- رياضي) تحدث به زلزالاً لأعداء الأمة وتهدم به منظومة البلطجة التي بناها النظام البائد، فهم بنوها على أساس منفعة وقتية ومصلحة (50 أو 100 جنيه) لكن أنت بمشروع العشوائيات ستبني منظومة الإنسان الكريم بدلاً من البلطجي على أساس المصلحة أيضًا ولكنها مستديمة، مساكن جديدة تليق بحياة المصري، ثلاث أو أربع مدارس، سوق وأكشاك لنساء البلطجة وكبار السن لكسب عيشهم بشرف، نادٍ رياضي بسيط للحي، أو الحارة أو الزقاق، مستشفى خيري للعلاج الاقتصادي على غرار الجمعيات الطبية الخيرية، بعدها لن تجد بلطجيًّا واحدًا يتسكع في الشوارع، ولا قابعًا في حبس أقسام الشرطة، ناهيك عن هتافهم الدائم لمصر وعهدها الجديد، هتاف متواصل وصادق (بدون 50 جنيهًا).



- الوصية الرابعة: قد يدفعك التواضع الذي أنت عليه إلى العمل في صمت وأنك تعمل لله أولاً ثم لمصر ثانيًا، ولا تريد منا جزاءً ولا شكورًا، لكن هذه الطريقة في العمل قد لا تصلح في مثل هذه الظروف، وقد لا تصلح مع ثقافة وتركيبة الشعب في هذه الآونة، لذا تحتاج لمكبرات الصوت، أبواق تدور وتدور تحكي الحكايات وتروي الروايات، ليس لإذاعة أكاذيب وأباطيل وترهات، ولكن لإذاعة ما تم فعله وما تم إنجازه، فشعبنا الحبيب لم يصل بعد للنضج السياسي والفكري المطلوب لحسن التقييم والرؤية، وما لم تأخذ بيده ليفهم ما تقوم به الوزارة أو المحافظة أو رئيس الحي قد ينقلب عليك ويثور لأنه ما زال يرى بالعيون القديمة التي كانت ترى ما يريده النظام (بـ50 جنيهًا).



- الوصية الخامسة: ستكون أكثر من يضحي يا سيد عصام شرف في سبيل إصلاح مصر لأن قدرك وضعك على رأس المشروع ويراك الناس رمزًا للعهد الجديد، فتخليك عن هذه المسئولية سواء بقرار منك، أو رغمًا عنك سيعيد البلاد لنقطة البداية، ولا يعلم ما بعد ذلك إلا الله، فلا تستسلم واستعد أنت وأسرتك لمخاطر لا يعلم مداها إلا الله، قد تكون رصاصة في الصدر، اختطاف فرد من العائلة، حادث سيارة تنكسر معه العظام، حريق في بيت أو مكتب، لكن أيًّا كانت المخاطر فهي في النهاية وقود النجاح لهذه المهمة الشريفة، هذا ما قدره الله عليك، وتذكر أن هناك من سبقوك من الشهداء كانت لهم أحلام الشباب ضحوا بأرواحهم لأنك لن تخذلهم، فإن نجاك الله وعبرت بمصر إلى بر الأمان كنت رجل هذه المرحلة، وإن كانت الأخرى فأجرك عند الله ونسأل لك الفردوس الأعلى من الجنة.



وعلى أي حال لا تكثر من ركوب الطائرات خاصة تلك التي تصطدم بأعمدة الإنارة مثل طائرة الفريق بدوي، أو تصطدم حتى بمطب صناعي على الأتوستراد، ولا تكثر من حضور الفعاليات العامة، ولا تفصح عن وجهتك إلا في أضيق الحدود، حتى تمر هذه المرحلة بسلام وينقطع دابر الوطني وأمن الدولة تمامًا.



- الوصية السادسة: قد تحتاج الثورة لشيء من التسويق لتكون السلعة الأكثر رواجًا، والأوسع انتشارًا بين طوائف الشعب المختلفة خاصة عند من لا يعرفها من قبل، ولكي يزدهر سوق الثورة ويقبلها الكبير والصغير ويدافع عنها الرجال والنساء، ويتمسك بها المتعلم والأمي يجب أن نوجد الطلب عليها والرغبة في اقتنائها من الجميع، فهناك على سبيل المثال أفلام مشاهدتها تزيد انتماء الناس للوطن والدفاع عنه، وأفلام أخرى تعطيك خلاصة أن المرتشي والوصولي هو من يحظى بالسلطة والمال فتقتل أي قيمة لدى المشاهد، فأي النوعين نذيع على المشاهدين؟، هل نذيع أغنية صوت الجماهير أو الوطن الأكبر.. أم نذيع بحبك يا حمار؟ وقس على ذلك التمثيليات وبرامج التوك شو، فكلما ارتقينا بما نقدمه ونعرضه على الناس كلما ارتقينا بالذوق العام وخلقنا ثقافة تفهم معنى الثورة وقيمة الثورة ومستقبل الثورة.



- الوصية السابعة: درسنا في العلوم الإدارية ما يسمى (الإدارة بالأهداف) ومارسنا ذلك في حياتنا العملية، وهي من أفضل طرق المتابعة لتحقيق الإنجازات، كل وزير على مكتبه مجموعة من الأهداف طويلة وقصيرة الأجل، ومدة زمنية لكل هدف، فلما لا نخصص نصف ساعة يوميًّا بالتلفزيون لبرنامج يظهر فيه في كل مرة أحد الوزراء على الشعب، يذكرهم بالأهداف التي حددها ويعمل عليها، واستعراض ما تم إنجازه منها، وما هي الصعوبات التي تواجه الوزارة، على مدار الشهر يكون الشعب راجع خطط الوزارة بالكامل وشارك الوزير همه ومشاكله ونجاحاته، 30 وزيرًا خلال الشهر، حتى يدرك المواطنون ما معنى أن يكون للوزارة خطة وكيف تسير الأمور، عرض مثل هذا البرنامج أولى من عرض رقصة ماجنة أو برنامج لتفسير الأحلام الذي يعلق العقول والقلوب في الهواء بحبال من الخيال، أو من برنامج لمناقشة الممارسة الجنسية بين الزوجين، مع العلم أن والديّ لم يكن على عصرهما مثل هذه البرامج ورغم ذلك كانا يملكان من الثقافة الجنسية ما يكفي لإنجابي أنا وإخوتي.



- الوصية الثامنة: رغيف الخبز- هاجس السواد الأعظم من شعب مصر- يحتاج جودة في إنتاجه وهبوطًا في سعره ووفرة في كمياته مهما كلف الأمر، هذا الرغيف سيكون له بالغ الأثر في قلوب وبطون الناس للدرجة التي ربما تجعلهم يحكمون على الثورة والحكومة بالنجاح إن توفر بين أيديهم الرغيف بسهولة ويسر، ويحكموا عليها بالفشل لو واصلوا الاصطفاف في الطوابير للحصول عليه بشق الأنفس، أنت في أمس الحاجة لجعل الناس يتفاعلون معك ويفكرون فيما تقول ويتأملون فيما تفعل ويدركون أبعاد تحركاتك ويؤمنون بأهدافك، شعبنا الحبيب لا يستطيع ذلك وهو جائع، ولكن ما أن يشبع، ستجده يفكر معك ويعمل معك وينجح معك، ثم بعد فترة وجيزة سيعتاد التفكير بحرفية خلاقة حتى وهو جائع.




وفي خضم تحقيق هذا الهدف، احذر من تجار المصائب والطفيليين حتى لا نفاجأ أن الخبز بعد أن تحسنت جودته وهبط سعره وتوفر بكميات أن هناك من يستولي عليه من أبواب خلفية لبيعه بضعف الثمن، الضرب بيد من حديد من أول يوم.



- الوصية التاسعة: الإنسان بطبعه متعجل، لا يقوى على الانتظار والمثابرة والعمل الدءوب لتحقيق النتائج بعد أمد، لذا بعض الإنجازات البسيطة والقريبة من الناس تضفي زخمًا ورونقًا للثورة والوزارة، لا شك أن الأولويات تفرض نفسها ولكن بعض الأمور البراقة تؤثر في الناس وتجعلهم أعوانًا لك ومؤازرين لمن يعمل، مثلاً الارتقاء بقلعة العلاج في مصر- القصر العيني- لتكون أفضل من أي مستشفى خاص راقٍ بمصر، مستشفى بلا بائعة جائلين في العنابر بين المرضى، مستشفى بلا قطط تغدو وتروح في الأروقة والغرف، مستشفى بلا صياح وصراخ أم سيد وفوزية ونجلاء على من سيقبض الجمعية الأول، ما المانع من مشروع سريع لتجديد وتنظيف دورات المياه العامة في الشوارع والميادين وزيادة عددها (بدون أم الخير على الباب التي تتقاضى ربع جنيه عن كل مزنوق)، تنظيف الحدائق العامة وإنارة الشوارع وتبليط الأرصفة للمشاة.. هذه مشاريع مرئية للشعب وسريعة في التنفيذ ولها بالغ الأثر في قلوب الناس.



- الوصية العاشرة: نم مبكرًا واستيقظ مبكرًا، ليس أنت بالطبع، ولكن الشعب، الشعب الذي يسعى للنجاح ولديه طموح لا بد أن ينام مبكرًا ويستيقظ مبكرًا، برامج وأفلام ومسرحيات تبدأ في الحادية أو الثانية عشرة مساء، متى تنتهي؟ ومتى ينام مشاهدوها؟ ومتى يستيقظون لأعمالهم؟ وما مدى جاهزيتهم للإنتاج المتميز والابتكار والقدرة على حل مشاكل العمل؟ المواصلات التي تقطع الشوارع ذهابًا وإيابًا، متى تتوقف؟ متى تجري أعمال الصيانة والنظافة؟ المتاجر التي تعمل للساعة الثانية عشرة، متى تغلق أبوابها؟ ومتى يعود مرتادوها لبيوتهم ومتى ينامون؟ لا تنجح أمة بدون هذه القاعدة، ولا إنتاج ولا تقدم إلا بهذه القاعدة، نم مبكرًا واستيقظ مبكرًا، لكنك يا سيد عصام ستكون أقل الناس نومًا وأكثرهم عملاً، ستسهر على خطط اليوم التالي، وتحليل إنجازات اليوم المنصرم، ستحتاج لتخلو بربك وقت السحر والشعب نائم، ترفع يديك إلى الله تطلب منه العون والتيسير، ستحتاج لصفاء ذهن ونور بصيرة وعزيمة لا تنقطع وبطانة مخلصة متفانية صادقة تعمل معك لتحقق لهذا الشعب شيئًا عندما تلقى الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ويسألك ماذا فعلت بشعبك، تقول له يا ربي جعلتهم ينامون مبكرًا شبعى أصحاء مطمئنين وسهرت أناجيك لترحمني وترحم شعبي.

------------------

عصام شرف